تعدُّ الزراعة من المهن اللاَّزمة لحياة البشرية، والتي لا تحيا بدونها، وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة فى الشريعة الإسلامية حثَّت على الزراعة وتنميتها وقد اهتم المسلمون اهتمامًا كَفَلَ لهم توسيع مجالات الرزق، وتحسين الوضع الاقتصادي، خاصَّة أنَّ المنتجات الزراعية هي المصدر الأول للمواد الغذائية التي يعتمد عليها الناس في معاشهم، كما أنَّها تقدم أهم المواد الأولية في الصناعة، فالقطن والكتان من أهمِّ المواد في المنسوجات التي يلبسها الناس، والأخشاب ضرورية للبناء، ولصنع كثير من الأثاث، ثُمَّ إن كثيرًا من الأصباغ والعطور والأدوية تعتمد على المنتجات الزراعية. وازداد اهتمام المسلمين بالزِّراعة بعد أن اتَّسعت رقعة الدولة الإسلامية واستقرت أمورها، ويسروا كلَّ السُّبل لامتلاك الأراضي وتعميرها وزرعها، كما اهتموا بإصلاحِ وسائل الري وتنظيفها، وبنوا السدود وشقوا القنوات والأنهار التي لا يُحصى عددها، لدرجة أنَّ مدينة كالبصرة وحدَها كان بها ما يزيد على مائة ألف نهر، يجري في جميعها السميرات، ولكل نهر منها اسم ينسب إلى صاحبه أو الناحية التي صب فيها الماء، وأقاموا الجسور والقناطر. إضافةً إلى ذلك، فقد أقام المسلمون شبكة من القنوات والمجاري الظاهرة فوق الأرض أو الجوفيَّة، التي حفرت تحت الأرض بطريقة هندسية محكمة الإتقان. وما زالت تلك الأعمال تثير إعجابَ مُهندسي المياه في عصرنا الحديث، فهذا أحد المهندسين الأوربيين الذي زار العراقَ إبَّان الانتداب البريطاني يقول: "إنَّ عمل الخلفاء في ري الفرات يشبه أعمال الري في مصر والولايات المتحدة الآن". وبذلوا جهودًا كبيرة لتجفيف البطائح والمستنقعات، وعملوا على إزالة الأملاح التي تهدد بإفساد المزارع، وتحويل الأرض إلى سباخ بقشط الطبقة الملحية من على وجه الأرض وجمع الأملاح، أو بزراعة بعض النباتات التي تقاوم الملح كالحب والشعير، وزرعوا كل نوع من النبات في التربة الصَّالحة له بعد أن درسوا صلاحية كل تربة ومناسبتها لأنواع النبات المختلف. وعرفوا بعض الطُّرق المساعدة على سرعة نمو النبات مِثْلما يعرف الآن بالمخصبات، يقول ابن وحشية: "إنَّ خير وسيلة للإسراع بنموها هو أن تغمس البذور أو أطراف الأقلام في الزيت"، وبحثوا في طبيعة الأراضي، وتكوين التربة. وضرب المسلمون بتلك الجهود مثلاً رائعًا في المهارة الزِّراعية، حتى قال بعض المستشرقين: "إنَّهم أول من نظم ممارستها بقوانين، وإنَّهم لم يقتصروا على العناية بالمزروعات وإنَّما اعتنوا عناية فائقة بتربية القطعان، وخاصَّة الأغنام والخيل، وإن أوروبا لتدين لهم بإدخال التجارب الكُبرى، وجميع أنواع الفواكه الممتازة... وإضافة إلى المزروعات الأصغر شأنًا، مثل: السبانخ والكراث"، وصار ما ينتجونه من محاصيل يقارب "مائة نوع من الحبوب والخضر والفاكهة والأزهار". تلك كانت جهود سلفنا الصالح في مجال الرقي بالزراعة، التي أفادوا بها البشرية، وهي تظهر لنا أنهم لم يقصروا جُهدهم على تقديم الزاد الروحي فقط - كما يظن الكثيرون - وإنَّما قدموا معه زادًا ماديًّا؛ ليجمعوا للناس بين خيري الدنيا والآخرة. لقد أنشأ الإسلام علاقةً من الانتفاع والتمتُّع بين الإنسان وبين النبات، ثُمَّ أمره بالحفاظ على النبات من خلال النهي عن قطع الأشجار، ثم حثَّه على الزرع والغرس حتى ولو كانت الساعة تقوم، فمن كانت بيده – حينها - فسيلةً فليغرسها، ومن هنا أيضا يتضح أهمية دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم - فى أحاديثه عن الزرع والغرس للنباتات والأشجار لما لها من فوائد عظيمة تعود على الانسان والحيوان والمجتمع، ولهذا السبب تدرك المدن أهمية زراعة الأشجار والحفاظ عليها كجزء من المناظر الطبيعية الحضرية. وفى النهاية أقترح أن يعمل المسلمون بآيات وأحاديث الغرس والزرع، مع عقد دورات تدريبية علمية وميدانية للعاملين في مجال الزراعة ومراكز لرفع مستواهم العلمي وتدريسهم كيفية زراعة النباتات والأشجار والعمل على زيادة المساحة المحصولية والتوسع الأفقي والرأسي في الزراعة للمحاصيل الزيتية المهمة، وإزالة العوائق أمام المزارع، وتوفير السماد المناسب له بأسعار مناسبة وفي الوقت المناسب مع تعزيز مساهمة قطاع التنمية الزراعية لاستدامة استقرار الاقتصاد الزراعي في زراعة المحاصيل لتحقيق الأمن الزراعي والتغذية، تنشيط برامج التعاون الزراعي الإقليمي وإنشاء مخزون غذائي استراتيجي والارتفاع بمستوى التجارة الزراعية البيئية، فضلاً عن الاستفادة من إعادة تقسيم العمل الدولي المتوقع على صعيد المنتجات الزراعية
محمد محمد سليم, وائل. (2023). التنمية الزراعية في أحاديـث الغـرس والـزرع نموذجـا. مجلة الدراسات الأفروآسيوية, 2(5), 94-129. doi: 10.21608/aass.2023.339888
MLA
وائل محمد محمد سليم. "التنمية الزراعية في أحاديـث الغـرس والـزرع نموذجـا", مجلة الدراسات الأفروآسيوية, 2, 5, 2023, 94-129. doi: 10.21608/aass.2023.339888
HARVARD
محمد محمد سليم, وائل. (2023). 'التنمية الزراعية في أحاديـث الغـرس والـزرع نموذجـا', مجلة الدراسات الأفروآسيوية, 2(5), pp. 94-129. doi: 10.21608/aass.2023.339888
VANCOUVER
محمد محمد سليم, وائل. التنمية الزراعية في أحاديـث الغـرس والـزرع نموذجـا. مجلة الدراسات الأفروآسيوية, 2023; 2(5): 94-129. doi: 10.21608/aass.2023.339888